أولا: موقف الأشاعرة:
يرى الأشاعرة أن أفعال الله تعالي لا
تعلل بالأغراض والغايات. وإنما يفعل تعالي بمحض المشيئة والإرادة دون أن يتوقف
فعله علي الحكم،[1].
وأما الحكمة فإنهم يرون أن أفعاله تعالي مشتملة علي الحكم والمصالح جوازا، لا لزوما
ولا وجوبا. لكن هذه المصالح مترتبة علي الفعل وتابعة له وليست باعثة له تعالي.[2]
وأصل الخلاف بينهم والمعتزلة هو: هل هناك أغراض وغايات باعثة له تعالي علي الفعل،
فلا يفعل إلاّ لعلّة؟ فالمعتزلة يرون ذلك، وتلك الأغراض هي مصالح العباد، أما
الأشاعرة فإنهم يمنعون ذلك.[3]
وبهذا القول قال مشايخ الأشاعرة، وإليكم
بعض ما جاء في مصنفاتهم: أولا، أن كل من فعل فعلا لأجل تحصيل مصلحة أو دفع
مفسدة كان ناقصا بذاته وذلك محال في حق الله تعالي. وتقرير ذلك: أن من فعل فعلا
لأجل تحصيل مصلحة، فإن كان تحصيل تلك المصلحة أولي من عدم تحصيلها، كان ذلك الفاعل
قد استفاد بذلك الفعل تحصيل تلك الأولية، وكل من كان كذلك كان ناقصا بذاته مستكملا
بغيره، والاستكمال بالغير في حق الله تعالي محال. ثانيا، لوكان فعله تعالي
معلّلا بعلّة، فهذه العلّة إما أن تكون قديمة فيلزم من قدمها قدم الفعل، لأن
العلّة التامة يجب أن يكون معها معلولها في الزمن، وهذا خلاف ما قام عليه الدليل
من أن كلّ ما سوى الله تعالي حادث. ثا لثا، أن جميع الأغراض يرجع حاصلها
إلي شيئين: تحصيل اللذة والسرور ودفع الألم والحزن، والله تعالي قادر علي تحصيل
المطلوب ابتداءً بدون الوسائط. وكل من كان قادرا علي تحصيل المطلوب بدون الوسائط
كان توسله إلي تحصيل ذلك المطلوب بتلك الوسائط عبثا والعبث محال في حقه تعالي. رابعا،
لوكان أفعاله تعالي معلّلة بالأغراض والحكم، ما خلا فعل من أفعاله عن الحكمة، لكن
التالي باطل: لأننا نشاهد في هذه الدنيا من أنواع الكفر والشرور والفتن، فما هي
الحكمة في إيجادها؟ وأي حكمة في تعذيب الكفار تعذيبا دائما في الآخرة؟ بل وأي حكمة
في إيلام الأطفال والبهائم؟ فدلّ ذلك أنه تعالي إنما يفعل بمحض المشيئة وصرف
الإرادة.[4]
هذا ما يقوله شيخ الإسلام فخر الدين الرازي في كتابه الأربعين في أصول الدين.
ومن
ثمّ، يتبين لنا أن الأشاعرة اعتمد في نفي تعليل أفعاله تعالي بالأغراض والغايات
علي حجج عقلية.
[3] 64، وقد ردّ الأشاعرة علي ما احتج به المعتزلة
علي إثبات الغرض، وهو قولهم بأن الفعل الخالي عن الغرض عبث، وأنه قبيح يجب تنزيه
الله تعالي عنه، فلابد إذن في فعله من غرض نفيا للعبث ولابد أن يكون الغرض عائدا
علي غيره إذ لاينتفع بالغرض ولا يتضرر بتركه. فرد الأشاعرة عليهم: بأن
العبث ما كان خاليا عن الفوائد والمنافع، وأفعاله تعالي محكمة متقنة مشتملة علي
حكم ومصالح راجعة إلي مخلوقاته، لكنها ليست أسبابا باعثة لفعله وعللا غائية
لفاعليته حتي يلزم استكماله بها، بل تكون غايات ومنافع لأفعاله وآثارا مترتبة
عليها، فلا يلزم أن تكون شيئ من أفعاله عبثا.
[4] كلّ الأدلة المذكورة أوردها الرازي في كتاب الأربعين
في أصول الدين، (القاهرة، دار التضامن، 1986)، ص: 249-251 (فخر الدين الرازى
هو أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن
الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين. ولد في الري بطبرستان سنة أربع
وأربعين بعد خمسمائة (544 هـ). كان
الرازي عالمًا في التفسير وعلم الكلام والفلك والفلسفة وعلم الأصول وفي غيرها. ترك
مؤلفات كثيرة تدل على غزارة علومه وسعة اطلاعه أبرزها تفسيره الكبير المعروف بمفاتيح
الغيب، وهو تفسير جامعٌ لمسائل كثيرة في التفسير وغيره من العلوم التي تبدو دخيلة على
القرآن الكريم.