الدين هو مصدر
الأخلاق فى الإسلام، كما أن الشريعة الإسلامية بأوامرها ونواهيها تصطبغ بالصبغة
الأخلاقية. وللشريعة دوران: دور الردع والإلزام حيث تكف الناس عن القتل والزنا
والظلم والرذائل المختلفة مثل البغى والحسد والكذب والجبن والبخل والنميمة والغش
والخيانة وغير ذلك. والدور الثانى هو دور الحث على الاتصاف بمكارم الأخلاق والأخذ
بالعدل والإحسان وغير ذلك من الخصال التى تحقق الأخلاق الفاضلة، ولذلك وصفت
الشريعة بأنها " تـَخـَلـَّق بمكارم
الأخلاق".
والتجربة
الدينية فى الإسلام تـُولـِّد فى المسلم منظومة من القيم الأخلاقية التى تنظم سلوك
المسلم داخل المجتمع وتخلق المجتمع المثالى. وقد تمكن مجتمع الرسول صلى الله عليه
وسلم من تحقيق هذه المثالية الأخلاقية التى أصبحت فيما بعد مصدرا دائما للحياة
الأخلاقية الإسلامية ونموذجا لها. والتجربة الدينية التى يخوضها المسلم خلال مراحل
هذه التجربة تكسبه مجموعة من الصفات الأخلاقية التى تجعل منه فى حالة الالتزام
مثالا أخلاقيا. ومع كل فريضة دينية تتولد أخلاقيات تؤدى إلى تكوين المسلم المطيع
المتدين، كما تجعل منه أيضا القدوة الأخلاقية. و لايوجد انفصام بين الدين والأخلاق
فى تجربة المسلم الدينية حيث تنتهى هذه التجربة بخلق المسلم المثالى.
وتكتسب
الأخلاق فى الإسلام صفة مصدرها وخصائصها. فالإسلام دين أخلاقى، والتوحيد فيه توحيد
أخلاقى، وبنية الدين بنية أخلاقية تقوم على أساس من المسؤولية وحرية الإرادة
الإنسانية، ومبدأ الثواب والعقاب. وقد أعطى الرسول عليه الصلاة والسلام القدوة
الأخلاقية الإسلامية، ووصفه القرآن الكريم بقوله: {وَإِنَّك َلَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ
} (سورة القلم). وقد حدد الرسول صلى
الله عليه وسلم هدف دعوته بأنه هدف أخلاقى : " إنما بعثت لأتمم مكارم
الأخلاق".[1]
والهدف من ربط
الأخلاق بالدين واعتبار الدين مصدر الأخلاق هو أن يصبح للأخلاق مشروعية ومصداقية
لأن مصدرها إلهى، وأيضا لكى تكتسب الأخلاق صفة الثبات والدوام، وذلك من ثبات
مصدرها ودوامه، فلا تتحول إلى أخلاق وضعية قابلة للتغيير والتبديل. وترتبط شعبة
الأخلاق فى الإسلام بشعبة العقيدة وشعبة العبادات. وتوصف شعبة الأخلاق بأنها شعبة
إرشادية وتوجيهية فهى قوام العمل والصدق فى شعب العقيدة والعبادة والنظم. ويصف
الشيخ محمود شلتوت العلاقة بين شعبتى العقيدة والعبادات وشعبة الأخلاق بأنها علاقة
عضوية: " إن السعادة التى جعلت هذه الشعب سبيلا إليها لابد فى الحصول عليها
من حسن الخلق...دل تاريخ الرسالات وإرشاداتها على أن انقطاع هذه الشعب فى جوهرها
عن شعبة الأخلاق أو انقطاع شعبة الأخلاق عنها مما يهدم فى النفوس وفى الحياة الأثر
الذى ترتبه الحكمة الإلهية فى الإنسان على التكليف بهذه الشعب والإرشاد إلى التمسك
بها". ولا يمكن تصور العقيدة بدون خلق أو الخلق بدون العقيدة. وقد وُصف
المؤمنون فى القرآن الكريم بأنهم : { الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ
الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ} (سورة التوبة 112) .
كما عرف الرسول صلى الله عليه وسلم الدين بأنه "حسن الخُلق".
وهكذا لا يمكن فصل
الدين عن الأخلاق فى الإسلام كما وضحنا من قبل. فالإسلام دين أخلاقى يربط الأخلاق
بالدين ويعتبر الدين مصدرا للأخلاق. يختلف الإسلام فى ذلك عن بقية الأديان التى
إما رفعت شأن الأخلاق وجعلتها دينا كما هو الحال فى معظم ديانات الشرق الأقصى، أو
أخضعت الأخلاق للرؤية الدينية الضيقة بمفهوم محدود وضيق عن الإنسان نتج عنه النظر
إلى الإنسان على أنه مخلوق غير أخلاقى كما هو الحال فى اليهودية والمسيحية حيث
اعتبر الإنسان مخطئا بالفطرة و بالتالى فهو ليس بقادر على فعل الخير والخطيئة
أصيلة فيه، ولذلك فالخلاص من الخطيئة يتم من خلال مسيح مخلص اعتقدت اليهودية فى
عدم مجيئه بعد بينما اعتقدت المسيحية فى قدومه فى شخص عيسى عليه السلام الملقب
بالمسيح المخلص الذى افتدى نفسه بالموت على الصليب فداءً للبشرية الخاطئة. ومع
تطور الفكر الدينى فى الغرب وظهور العلمانية تم الفصل بين الدين والأخلاق، وطور
المجتمع قيمه الأخلاقية المستقلة عن الدين.
وتعتبر الأخلاق من صلب البنية الدينية
للإسلام، فالتوحيد فى الإسلام توحيد أخلاقى حيث تتمخض عن العقيدة والشريعة مجموعة
من قيم أخلاقية منظمة لعلاقة المسلم بالمسلم وبغير المسلم. وأعطت الأسماء الحسنى
مجموعة من القيم الأخلاقية المطلقة التى تكون المثال الأخلاقى المطلق. وتطبيق هذه
القيم على الإنسان. فيما لا يتعارض مع صفات الذات الإلهية. يتكون خلق المسلم كما
تمثل فى نماذج مسلمة أولها شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ومن بعده الصحابة
والتابعون.
اما البنية
الأخلاقية للإسلام فتتمثل فى مبدأ حرية الإرادة الإنسانية، والاعتراف بالمسئولية
الفردية للإنسان تجاه معطيات الدين والشريعة وما ارتبط بهما من تمييز للخير والشر،
وتبيين للحلال والحرام من خلال الوحى الإلهى مصدر الدين والأخلاق فى الإسلام ويقدم
الإسلام المسئولية الجماعية.